فصل: مسألة يقول لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال امرأته طالق إن لم تكن الآن في البيت:

وسئل: عن رجل قال له النقيب في القسم: امرأتك حاضرة، فقال: امرأته طالق إن لم تكن الآن في البيت، وذلك أنه خرج وتركها في البيت، فخرجت في الحجرة، فحلف أنها في البيت وهي في الحجرة.
فقال: ما أرى عليه طلاقا، الحجرة من البيت، أرأيت إن كانت في المغتسل أو الخزانة؟ ما أرى عليه طلاقا، الحجرة من البيت هي التي يكون فيها الإذن، وهي التي إذا سرق منها قطعت يد السارق، وإذا سرق من البيت فخرج به إلى الحجرة ثم أخذ لم تقطع يده، فلا أرى عليه حنثا.
قال محمد بن رشد: حمل مالك هذه المسألة على البساط فلم يحنثه بمقتضى اللفظ وهو المشهور في المذهب، خلاف قوله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وخلاف قوله أيضا في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وخلاف ما في سماع سحنون من هذا الكتاب، وهو أصل مختلف فيه قد مضى عليه في أصل سلعة سماها، فلا معنى لإعادته.

.مسألة قوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله بعد يمينه بالطلاق ألا يتركه:

وسئل مالك: عمن كانت بينه وبين رجل مخاصمة فحلف بطلاق امرأته ألا يتركه وليجهدن عليه، ثم قال له بعد: لا أخاصمك، قد وكلتك إلى الله، ثم ذكر يمينه بعد، فجاءه، فقال: ذكرت أن علي يمينا فيك، فهل تراه حانثا؟
قال: ما أراه إلا وقد حنث ووجب عليه الطلاق، فقال له المخاصم: إنه حين رجع إلي جعلت بيني وبينه رجلا وحلفت له بعتق ما أملك لأرضين بقضائه، وقضى عليه بالدينارين فسلفتهما ودفعتهما. فقال له: فأرى أن يذهب إلى السلطان فتنهي إليه شهادتك ولا تطلب الدينارين، فإن أعطاكهما فلا تأخذهما منه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه تكلم في أولها على ما يجب عليه إذا أقر بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله، فأوجب عليه الطلاق بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله بعد يمينه بالطلاق ألا يتركه، وتكلم في أخرها إذا أنكر الحالف بالطلاق أن يكون قال لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله والمخاصم المقول له ذلك شاهد عليه به وهو يقول إنه قد رجع إلى مخاصمته بعد أن قال له ذلك، فصالحه بدينارين ودفعهما إليه، فقال مالك: ينهي شهادته إلى السلطان ولا تطلب الدينارين ولا يأخذهما إن أعطاه إياهما، فتجوز شهادته عليه في الطلاق، وتطلق عليه امرأته إن كان معه شاهد غيره على قوله: لا أخاصمك وقد وكلتك إلى الله، أو يحلف إن لم يكن معه شاهد غيره وتكذيبه؛ لأنه إن طلب الدينارين وأراد الرجوع بهما عليه لسقوط دعواه عليه على المصالحة بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله لم تجز شهادته عليه في الطلاق لجره بها إلى نفسه مالاً؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه» ونظير هذا آخر مسألة سحنون في نوازله من كتاب الأقضية، فقف على ذلك، وإجازته شهادته عليه في الطلاق إن لم يطلب الدينارين وقد كانت بينهما خصومة، يحتمل أن يكون إنما شهد بعد أن وقع الصلح وارتفعت العداوة وأن أمرهما إلى سلامة، على ما روى أشهب عنه في سماعه من كتاب الشهادات، وتحتمل أن تكون الخصومة إنما كانت في الشيء اليسير الذي لا يورث العداوة على ما ذهب إليه ابن كنانة، ولو كان المخاصم إنما شهد عليه بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله قبل أن يصالحه مما كان يخاصمه فيه ويدعيه عليه لم تجز شهادته عليه في الطلاق؛ لأنه يدفع عن نفسه بهذه الشهادة مخاصمة له، ويسقط عنه دعواه قبله، والدفع عنه جر إليه، ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه إلا أن يحضر جميع ما كان يخاصمه فيه ويدعيه قلبه ويطوع بدفعه إليه وهو من اليسير الذي لا يورث الحقد والعداوة، على ما ذهب إليه ابن كنانة، فتجوز شهادته، والله أعلم.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يضطجع على هذا الفراش ففتق الفراش والتحفه:

وسألته: عمن حلف بطلاق امرأته ألا يضطجع على هذا الفراش، ففتق الفراش والتحفه هو وامرأته.
قال: أراه قد حنث في رأيي، ونزلت بالمدينة فأفتاهم بذلك.
قال محمد بن رشد: إنما قال إنه يحنث؛ لأن الاضطجاع على الفراش انتفاع به، فإذا حلف ألا يضطجع عليه فهو في المعنى حلف ألا ينتفع به، والالتحاف به انتفاع به، فوجب أن يحنث بذلك، وهذا إذا لم تكن له نية، وأما إن كانت له نية أنه أراد الانتفاع بالاضطجاع خاصة دون الانتفاع بما سواه أو مجرد الاضطجاع دون الانتفاع بما سواه فيصدق في نيته مع يمينه، ولا يحنث بالالتحاف، وقد قيل: إنه إذا لم تكن له نية لا يحنث إلا بالاضطجاع الذي حلف عليه، وهذا على الاختلاف في حمل اليمين على المعنى دون اللفظ، وقد مضى القول على هذا المعنى في غير ما موضع، ومضى قبل هذه المسألة الاختلاف في مراعاة البساط إذا عدمت النية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة بينه وبين جار له مقاولة فحلف بالطلاق لينتقلن عنه:

وسئل: عن رجل كانت بينه وبين جار له مقاولة فحلف بالطلاق لينتقلن عنه.
فقال: ما وجه الشأن إلا أنه كره مجاورته، فإن كان كذلك فأرى أن ينتقل ولا يساكنه أبدا، وإن كان إنما أراد النقلة ترهيبا ثم يعود ولم يرد الفراق أبدا فإني أرى أن ينتقل ثم يقيم شهرا ثم يرجع إن بدا له هو وجه النقلة، وليس منزل يوم بنقلة.
قال محمد بن رشد: قوله ما وجه الشأن إلا أنه كره مجاورته يدل على أنه محمول عنده إذا لم تكن له نية إلا أنه حلف ألا يجاوره فينتقل عنه ولا يجاوره أبدا، فيلزم على هذا إن قال إنما أردت الرحلة ترهيبا ثم يعود ألا يصدق في ذلك إن حضرته بينة إلا مع يمينه، وقد قيل: إن يمينه محمولة على الانتقال الذي حلف عليه حتى يريد ترك مجاورته،، فإذا أراد الانتقال على القول الأول أو لم تكن له نية على القول الثاني فالاستحسان إذا انتقل عنه أن يقيم شهرا، وكذلك يرجع، فإن رجع بعد خمسة عشر يوما لم يحنث، قاله ابن القاسم في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولو رجع أيضا بعد أن أقام أكثر من يوم وليلة لم يحكم عليه بالحنث على قياس ما قاله في كتاب محمد في الحالف ليخرجن من المدينة، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من هذا السماع.

.مسألة يمنع امرأته الخروج:

وسئل: عن الذي يمنع امرأته الخروج.
فقال: إني أرى أن يُقْضَى على الرجل في امرأته تشهد جنازة أبيها وأمها وتزورهم والأمر الذي تكون فيه الصلة والمصلحة، فأما شهود الجنائز واللعب والعبث فلا أرى ذلك عليه.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يقضى على الرجل في امرأته أن يدعها تخرج في جنازة أبيها وأمها وتزورهم هو مثل ما مضى من قوله قبل هذا في هذا الرسم بدليل خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يقضى عليه أن يأذن لها بالخروج إلى زيارة أبيها إلا أن يمنعها من زيارتها أيضا فيقضى عليه بأحد الأمرين، وأما خروجها في جنازة أبويها ومن أشبههما من قرابتها القريبة كالأخ والجد والعم فلا خلاف في أنه يقضى عليه بأن يأذن لها بالخروج إلى ذلك وإن كانت شابة، وهو معنى ما في كتاب الجنائز من المدونة، بخلاف خروجها إلى المسجد وإلى العيدين وإلى الاستسقاء، وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة، فأغنى ذلك من إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يدعها تخرج أترى أن يقضى عليه في أبيها وأمها:

قيل له: أرأيت إن حلف بالطلاق أو العتاق ألا يدعها تخرج أبدا، أترى أن يقضى عليه في أبيها وأمها فيحنث؟
قال: لا أرى ذلك عليه، إذا حلف.
قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة بعينها قبل هذا في هذا الرسم، ومضى القول فيها فلا معنى لإعادته.

.مسألة كانت امرأة صرورة فأرادت الحج أترى أن يقضى عليه في ذلك ويحنث:

قيل له: أرأيت إن كانت امرأة صرورة فأرادت الحج أترى أن يقضى عليه في ذلك ويحنث؟
قال: نعم، إني أرى أن يقضى عليه بذلك، ولكن ما أدري ما تعجيل الحنث هاهنا؟ حلف أمس وتقول أنا أحج اليوم ولعله يؤخر ذلك سنة سنة.
قال محمد بن رشد: في كتاب ابن عبد الحكم أنه يؤخر سنة، وكذلك يقضى عليه، وهذا يدل أن الحج عنده على التراخي خلاف ما حكى ابن القصار عنه من أنه على الفور، إذ لو كان عنده على الفور لما شك في تعجيل تحنيث الزوج في أول عام، بل القياس يوجب أن يحنث الزوج في أول عام، وإن كان الحج على التراخي؛ لأن لها أن تعجله وإن لم يجب عليها تعجيله، ولما أخر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحج عاما واحدا للعذر المذكور في الحديث رأى على ما في كتاب ابن عبد الحكم أن يقضي عليها بالتأخير عاما واحدا؛ لأن يمين الزوج عذر، ولعلها إنما قصدت إلى تحنيثه لا إلى تعجيل القربة بتعجيل الحج، فهذا وجه الرواية والله أعلم.
ولابن نافع عن مالك في المجموعة: أنه يستأذن أبويه في حج الفريضة العام وعام قابل، فإن أبيا فليخرج، وهذا بين في أن الحج عنده على التراخي خلاف ما له في كتاب ابن المواز أنه يحج الفريضة بغير إذنهما، وإن قدر أن يتراضاهما فعل، وإلى هذا ذهب سحنون في نوازله من كتاب الشهادات إذ لم ير أن يسقط شهادة من ترك الحج، وهو قوي عليه، حتى يتطاول ذلك السنين الكثيرة من العشرين إلى الستين، وإذا قلنا: إنه على التراخي، فله حال يتعين فيها، وهو الوقت الذي يغلب على الظن فواته بتأخيره عنه وهو يتعين عندي على من بلغ الستين؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «معترك أمتي من الستين إلى السبعين»، وإلى هذا الحديث نحا سحنون، والله أعلم. وقد رددت هذا المعنى بيانا ووضوحا في غير هذا الديوان، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق على أمر ألا يفعله ولم يستثن إلا أن يقضى عليه السلطان:

قلت: أريت إن حلف بالطلاق على أمر ألا يفعله، ولم يستثن إلا أن يقضى عليه السلطان، فقضى عليه، أترى أن يلزمه الحنث؟
قال: إي والله إني أرى ذلك لم يستثن لنفسه، وإنك لتجد من يحلف هكذا مغالبة للسلطان، فأرى عليه الحنث إلا أن يقول لم أرد هذا ولم أرد مغالبة السلطان، فأرى أن يحلف ويكون ذلك له.
قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم من كتاب التخيير والتمليك من المدونة، ومثل ما مضى في رسم سلعة سماها، ورسم حلف من سماع ابن القاسم، خلاف قول ابن الماجشون في الواضحة، وقد مضى القول على ذلك في الرسمين المذكورين، في رسم تسلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة ذلك.

.مسألة قال لامرأته رأسي من رأسك حرام إن أخرجتك من عند أمك:

وسئل: عمن قال لامرأته: رأسي من رأسك حرام إن أخرجتك من عند أمك إلا أن تخرجني أمك، فأخرجتني أمها.
فقال مالك: ومن يعلم أن أمها أخرجتك؟ فقال: الجيران، فقال له: ثبت ذلك عليها وأشهد على ذلك؟ قيل له: وترى قوله رأسي من رأسك حرام طلاقا؟ قال: إي والله، إني لأرى ذلك، قال مالك: وإن أخرجته أمها فليس عليه طلاق.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأن التحريم طلاق فهو يقع بالبعض كما يقع بالكل، لا فرق بين أن يقول الرجل لامرأته: أنا منك طالق وأنت مني طالق، وبين أن يقول لها: رأسي منك طالق ورأسك مني طالق، ورأسي من رأسك طالق، فكذلك لا فرق بين أن يقول الرجل لامرأته أنت علي حرام أو أنا عليك حرام، أو رأسي عليك حرام أو رأسك علي حرام. وقوله رأسي من رأسك حرام مثل قوله رأسي على رأسك حرام؛ لأن حروف الجر قد تبدل بعضها ببعض، وكذلك القول في قوله وجهي من وجهك حرام. وقد مضى ذلك والقول فيه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك. ويأتي للمسألة ذكر في سماعه أيضا من هذا الكتاب في رسم أوصى.
فإذا ثبت أن قول الرجل لامرأته: رأسي من رأسك حرام، طلاق- وجب إذا حلف بذلك ألا تخرج امرأته من عند أمها إلا أن تخرجه أمها، فأخرجها من عند أمها، وادعى أنه إنما أخرجها من عند أمها؛ لأن أمها أخرجته، وجب عليه أن يقيم البينة على ذلك كما قال مالك؛ لأن الطلاق ثلاث، قد وجب عليه بالحنث بإخراجها، إلا أن يقيم البينة على ما يسقط الحنث عنه، وبالله التوفيق.

.كتاب الأيمان بالطلاق الثاني:

.مسألة قال لامرأة أنت طالق إن وطئتك الليلة وهو يرى أنها امرأته:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا مرت به امرأة في ظلمة الليل فوضع عليها يده فقال لها أنت طالق إن وطئتك الليلة وقد يرى أنها امرأته فإذا هي غير امرأته ووطئها قبل أن يعلم، أيحنث في امرأته؟ فقال: ليس عليه شيء لأنه وطئ غير امرأته.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة معارضة لما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، ومخالفة لما في أول مسألة من سماع عيسى من كتاب النكاح، والقولان قائمان من كتاب العتق الأول من المدونة في الذي دعا عبدا يقال له ناصح فأجابه مرزوق، فقال له: أنت حر، وقد مضى القول على ذلك في أول سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة قالت له امرأته مالي عليك حرام فقال وأنت علي حرام:

وقال في رجل: قالت له امرأته: مالي عليك حرام، فقال: وأنت علي حرام.
فقال: إنما هو أحد وجهين، إن كان أراد بقوله ذلك لها أجل، إن مالك علي حرام وأنت علي حرام، يقول: إني إذا أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغي، قال: إن كان هذا أراد فلا شيء عليه، وإن كان مثل ما يقول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، فقد بانت منه.
قال محمد بن رشد: قوله بأنه يرى في قوله وأنت علي حرام أنه أراد بذلك إني أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغي ولا يكون عليه شيء، معناه: إن كان جاء مستفتيا ولم تكن عليه بينة، وأما إن كانت عليه بينة فلا يصح أن ينوى في ذلك على أصولهم؛ لأن قوله: وأنت علي حرام، تصريح بتحريمها، والبساط الذي حرمت هي عليه مالها عاقبها هو بأن حرم عليه نفسها، فلا يقبل منه مع حضور البينة له أنه أراد بقوله معنى سوى ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ومتى تزوجت فلانة فهي طالق:

وسمعته يقول: إن ومتى واحد، قال: ومن قال كل امرأة أتزوجها فضرب أجلا أو قال كل أعرابية أو من بنات فلان أو من الموالي، فهذا أبدا ترجع عليه اليمين وإن تزوجها عشرين مرة، ومن قال إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا ترجع عليه اليمين أبدا؛ لأني سمعت مالكا يقول: ويؤمر إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا.
قال محمد بن رشد: قوله إن ومتى واحد، يريد أنهما في قوله إن تزوجت فلانة فهي طالق ومتى تزوجت فلانة فهي طالق سواء في أن اليمين لا ترجع عليه إن تزوجها ثانية، يريد: إذا لم يرد بمتى معنى كلما؛ لأن متى في اللسان سواء مع كلما في أنها شرط، قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد

إلا أنهما يفترقان في المعنى، فإن بمنزلة إذا لا تقتضي إلا مرة واحدة، ومتى بمنزلة متى ما، يحتمل أن يراد بها مرة واحدة، ويحتمل أن يراد بها معنى كلما، فهي عند مالك محمولة على مرة واحدة إلا أن يريد بها معنى كلما، قاله في المدونة في متى ما، وهو معنى قوله هاهنا في متى ومهما تقتضي التكرار بمنزلة كلما، فهذا حكم هذه الألفاظ الستة إذا سمى المرأة، وأما إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل فإن اليمين ترجع عليه أبدا كما قال، بمنزلة مهما وكلما، فسواء قال إن تزوجت من بلد كذا أو من بنات فلان أو من فخذ كذا أو إلى أجل كذا، أو قال متى تزوجت من بلد كذا أو من نسب كذا أو إلى أجل كذا، أو قال في ذلك كله متى ما أو إذا، ترجع عليه اليمين أبدا بمنزلة مهما وكلما، ولا اختلاف في ذلك كله إذا كان بنات الرجل الذي سمى لا يحصين مثل بنات زهرة وبنات تميم، واختلف إذا كن يحصين على ما يأتي تفسيره في المسألة التي بعد هذه، وقوله ويؤمر إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا، معناه: أنه يؤمر بالطلاق كلما تزوج منهن أحدا إذا أبهم ولم يعين؛ لأنه كلما تزوجها تكرر وقوع الطلاق عليه فيها إذ لم يعينها، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأة إن تزوجتك أبدا فأنت طالق البتة فيتزوجها مرة:

ومن قال لامرأة: إن تزوجتك أبدا فأنت طالق البتة فيتزوجها مرة فقد حنث وإن تزوجها بعد شيء فلا شيء عليه، وكذلك إن قال إن تزوجت فلانة وفلانة إذا سمى، فإن اليمين لا ترجع عليه إذا حنث فيها مرة واحدة، وإذا قال بنات فلان أو أخواته أو فخذا إذا قال ذلك هكذا مبهما لم ينص أسماءهن، فاليمين ترجع عليه أبدا، لو تزوجها بعد عشرين زوجا، وكذلك إذا قال إن تزوجتك أو أخواتك، أما هي فإذا تزوجها مرة فطلقت منه فإنه يتزوجها بعد زوج ولا ترجع عليه اليمين، وأما أخواتها فإن اليمين ترجع عليه أبدا كلما تزوجهن.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يُبَيِّنُهَا ما مضى من القول في المسألة التي قبلها.
أما إذا قال إن تزوجت فلانة لامرأة سماها بعينها فهي طالق فلا اختلاف أنه إذا تزوجها وحنث فيها لا تعود عليه اليمين فيها إن تزوجها مرة أخرى، وسواء قال لامرأة بعينها إن تزوجتك فأنت طالق أو إن تزوجتك أبدا فأنت طالق، وإنما يفترق التأبيد من غير التأبيد في الطلاق.
فإذا قال الرجل لامرأته فأنت طالق أبدا فهي ثلاثة، واختلف إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق أبدا، فقيل: إنها ثلاث بمنزلة قوله أنت طالق أبدا، قاله ابن القاسم، ووقف في ذلك غيره، وقيل: إنها واحدة لاحتمال رجوع التأبيد إلى التزويج، وهو دليل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، ويقوم مثله، بالمعنى من قول ابن القاسم في كتاب العتق منها في الذي يقول إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه أبدا فهو حر أنه لا يلزمه العتق إن دخل الدار إلا في كل مملوك كان في ملكه يوم حلف؛ لأنه رد التأبيد إلى الدخول خلاف قول أشهب في رده إياه إلى الملك.
وأما إن قال إن تزوجت من فخذ كذا أو من بلد كذا فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها في أمد كذا فهي طالق وما أشبه ذلك فلا اختلاف في أن اليمين ترجع عليه فيمن تزوج منهن ولو تزوجها عشرين مرة؛ لأنه لما لم يسمها بعينها صارت بعد طلاقه إياها من جملة من حلف بطلاقها إن تزوجها.
وأما إن قال إن تزوجت من بنات فلان لرجل سماه بعينه ولم يسمهن بأسمائهن إلا أنه يمكن إحصاؤهن ومعرفتهن ففي ذلك اختلاف، قيل: إنهن لا يحملن محمل التعين، إذ لم يسمهن بأسمائهن، وترجع اليمين عليه فيمن تزوج منهن أبدا، وقيل: إنهن يحملن محمل التعيين وإن لم يسمهن لأنهن يعرفن إذا طلب إحصاؤهن، فلا ترجع عليه اليمين فيمن تزوج منهن ثانية، والقولان قائمان من المدونة في الذي يوصى لأخواله وأولادهم في الوصايا للثاني منها، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة:

ومن كتاب حمل صبيا على دابة:
وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة.
قال: فإن سمي فخذا أو قبيلة أو بلدا أو قال كل امرأة نصا مبهما فإنه إن تزوج امرأة طلقت عليه حين يتزوجها؛ لأن التي لم يدخل بها الواحدة تبينها، ثم تصير أيضا من كل امرأة، فإن تزوجها رجع أيضا عليه الطلاق كلما تزوجها، فليس يجد إلى تزويج امرأة سبيلا؛ لأنه حين يملك عقدتها طلقت عليه بواحدة فبانت منه.
فإن سمى امرأة بعينها، فقال: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق واحدة، فإنه إن تزوجها طلقت عليه بواحدة فإن نكحها بعد ذلك لم تطلق عليه، وقد قال ابن القاسم في سماع يحيى بن يحيى منه في كتاب الدور والمزارع في الذي يقول لامرأته: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق واحدة فإنه إن تزوجها طلقت عليه بتزوجها عليها وإنما نرى واحدة، أيجوز له أن ينكحها بعد أن تبين منه بتلك الواحدة؟ فقال: لا يجوز له نكاحها أبدا ما كانت عنده امرأته التي حلف بطلاق فلانة إن تزوجها عليها، وذلك أنه كلما تزوجها عليها لزمه الحنث ساعة يتزوجها ولو كان نكاحه إياها بعد طلاقه إياها البتة وبعد زوج نكحها، فهي كلما عادت إليه ما كانت امرأته عنده فالطلاق يلزمه فيها؛ لأنه إنما ينكحها أبدا على امرأته التي حلف ألا ينكحها عليها.
قال: ومثل ذلك عندي أن يقول الرجل إن تزوجت فلانة بمصر فهي طالق، فكلما تزوجها بمصر فهي طالق ولو بعد أن يحنث فيها مرارا ويتزوج أزواجا فيمينه تلزمه، وإن نكحت بغير مصر فلا شيء عليه.
قيل له: فالرجل يحلف بطلاق فلانة إن تزوجها ولا يقول على امرأته فلانة، فيتزوج ويحنث فيها بالواحدة التي حلف بها أيتزوجها ثانية؟ قال: نعم، ولا شيء عليه، قلت: فما فرق أن يقول: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق، فألزمه الطلاق كلما عاد إلى تزويجها ما نكحها على امرأته تلك، ولم تلزم الذي قال إن نكحت فلانة فنكحها لم يلزمه الحنث إلا في أول نكاحه إياها، ثم أجزت له أن ينكحها ولا حنث عليه؟ فقال: إنما مثل الذي يقول إن نكحت عليك فلانة فهي طالق كالذي يقول إن نكحت فلانة في هذه السنة فهو طالق وحنث فيها أنه إن نكحت في بقية تلك السنة حنث أيضا حتى ينكحها بعد مضي السنة، قال: وكذلك هذا لا يزال حانثا حتى ينكحها بعد فراقه امرأته التي حلف ألا ينكح عليها فلانة، قال: ومثل الذي يقول إن نكحت فلانة ولا يقول على امرأته، فيضكحها ويحنث ثم ينكحها فلا يكون عليه حنث كمثل الرجل يقول امرأته طالق إن نكح فلانة فينكحها ويطلق امرأته بواحدة كما حلف، فإن طلق التي حنث من أجل نكاحه إياها ثم تروجها أيضا لم يحنث في امرأته بيمينه الأول لأنها قد انقضت بحنثه فيها بالنكاح الأول.

.مسألة قال إن تزوجت فلانة فهي طالق:

ومن كتاب قال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ:
لم يختلف قول ابن القاسم فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق- أنه لا يلزمه فيها الطلاق إلا مرة واحدة، واختلف قوله إن قال: إن تزوجت فلانة على فلانة أو في بلد كذا، أو في سنة كذا، أو ما أشبه ذلك، فمرة قال: إنه لا يلزمه فيها الطلاق إن تزوجها على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة إلا مرة واحدة أيضا، ولا يتكرر عليه الطلاق إن تزوجها ثانية على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة إلا مرة واحدة، وهي رواية عيسى هذه عنه على معنى ما في المدونة في الذي يحلف ألا يكلم فلانا عشرة أيام فيكلمه فيها ويحنث فيكفر أو لا يكفر، ثم يكلمه فيها مرة أخرى أنه لا شيء عليه.
ومرة قال إنه يلزمه فيها الطلاق كلما تزوجها على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة، وهي رواية يحيى هذه عنه، وقد قيل: إن الطلاق يتكرر عليه فيها كلما تزوجها وإن لم يقل على فلانة، ولا في بلدة كذا، ولا في سنة كذا، وهو الذي يأتي على قول مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب النذور من مسألة الوتر.
والقياس ألا فرق بين أن يقول على فلانة أو في بلدة كذا أو في سنة كذا أو لا يقول شيئا من ذلك، على معنى ما في المدونة ورواية عيسى؛ لأن قول الرجل إن تزوجت فلانة فهي طالق إيجاب منه على نفسه طلاقها بشرط تزويجها، وقوله إن تزوجها على فلانة أو في بلد كذا أو في سنة كذا ليس فيه أكثر من زيادة وصف في الشرط، وزيادة الوصف في الشرط إنما تعود على تخصيص الشرط لا إلى تكثير المشروط وبتكرره يتكرر الشرط، ألا ترى أنه إن جمع الأوصاف كلها فقال إن تزوجت فلانة على فلانة وفي سنة كذا وفي بلدة كذا فهي طالق، لم يكن في زيادة الأوصاف تأثير في تكثير المشروط وتكرره بتكرر الشرط.
فإما أن يقال إن الطلاق لا يتكرر بتكرر الشرط وإن كان مقيدا بوصف على رواية عيسى هذه ومذهب مالك في المدونة، وإما أن يقال إن الطلاق يتكرر بتكرر الشرط وإن لم يكن مقيدا بوصف على رواية ابن القاسم عن مالك في مسألة الوتر.
ووجه رواية يحيى في تفرقته بين الوجهين: أنه حمل يمين الحالف على أنه إنما قصد بيمينه إلى ألا تكون زوجة له مع زوجته التي حلف ألا يتزوجها عليها، وإلى ألا تكون زوجة له في تلك السنة أو في تلك البلدة، وهذا إنما يصح إذا تبين القصد فيه ببساط يدل عليه أو سبب يعرف به، والله أعلم.